السبت، 7 أغسطس 2010

احفظ الله ؛ يحفظك !




احفظ الله ؛ يحفظك !




تأليف : أبي حمزة عبد اللطيف بن هاجس الغامدي


اللهُمَّ هذه الأوراق منك ، فاجعلها لك ..
اللهُمَّ لا تجعلني ممن يدل عليك ثُمَّ يعرض عنك ، ويدعو إليك ثمَّ يفر منك..
اللهُمَّ فاجعلني عبداً لك وحدك ، وأغنني بفضلك عمن سواك ..
ولا حول ولا قوَّة إلا بالله العليِّ العظيم !


الحمد لله الخافض الرافع ، القابض الباسط ، المعز المذل ، المحيي المميت ، لا إله إلاَّ هو ، إليه المصير .
والصلاة والسلام ، على البشير النذير ، والسراج المنير، محمد بن عبد الله ، وعلى آله وصحبه ، ومن سار على نهجه ، واستنَّ بسنته ، إلى يوم البعث والنشور .


أما بعد :
أخي الحبيب وكذا : أختي الكريمة ، فالخطاب للجميع..
احفظ الله .. يحفظك !
هذا واجبك .. وذلك كرمه ..
هذه مهمتك .. وتلك منَّـته وفضله ..
هذه رسالتك .. وذيّاك جوده وإحسانه وبرُّه ..
فأنت عبده ، وليس لك ربُّ سواه ..
وهو سيُّدك ومولاك ، ونجاتك في رضاه ..
وأنت الفقير إليه ، الحقير بين يديه ، وهو الغني عنك ، المقتدر عليك ..
فلن تعجزه في ملكه ، وأنت في قبضته ، وتحت سطوته وجبروته وقوَّته ..
ولن تغيب عن سمعه وبصره ، وأنت في علمه ، وتمضي بعنايته ورعايته ..
ولن تستغني عنه ، وأنت من خلقه ، وتأكل من رزقه ، وتتقلب في نعمته ..
فأنت إلى غضبه ونقمته .. وذلك من تمام عدله !
أو إلى رحمته ومنَّـته .. وذلك من كمال فضله !


عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : كنت خلف النبي صل الله عليه وسلم يوماً ، فقال : " يا غُلامُ ، إنِّي أُعلمُك كلمات : احفظِ الله يحفظكَ ، احفظِ الله تجدهُ تُجاهكَ ، إذا سألتَ فاسأَلِ الله ، وإذا استعنتَ فاستعن بالله ، واعلم أنَّ الأُمَّةَ لو اجتمَعت على أن ينفَعُوكَ بشيء لم ينفعوكَ بشيء إلاَّ قد كتَبَهُ الله لكَ ، وإن اجتمعُوا على أن يضُرُّوك بشيء لم يضرُّوك إلاَّ بشيء قد كتَبهُ الله عليك ، رُفعتِ الأقلامُ وجفَّتِ الصُّحُفُ "[صحيح الترمذي (2/309)(2043)]


فاحفظ الله .. يحفظك في العاجلة والآجلة ، وفي الدين والدنيا .
احفظ الله .. يحفظ قلبك من كلِّ شبهة وشهوة ، وعقلك من أيٍ شكٍ وحيرة .
احفظ الله .. يحفظك من كلِّ عادٍ وصائل ، وغادرٍ وفاجر ، ومن شرِّ كلِّ ذي شر .
احفظ الله .. يحفظك في أصلِك وعقِبِك ، وفي مالِك وكلِّ مكتسباتك ومدَّخراتك .
احفظ الله .. يحفظك .. { فالله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين }[يوسف :64]


احفظ الله .. في إيمانك
احفظ الله في إيمانك ، وأعلم أنَّ الله تعالى لم يخلقك عبثاً ، ولن يتركك سُدى . قال تعالى :{ أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون * فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم } [المؤمنين :116]


وإنَّما خلقك لغاية عظيمة ، ومهمَّة جسيمة ؛ ألا وهي عبادته التي هو في غاية الغنى عنها ، وأنت في أمسِّ الحاجة إليها .
قال تعالى :{ وما خلقت الجنَّ والإنس إلاَّ ليعبدون * ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون * إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين } [الذاريات :55 ـ 58]
وأيُّ شرفٍ أعظم ، وأيُّ مكانةٍ أكرم من أن تكون عبداً لله كما يحبُّ الله ؟!


والعبادة ـ أيها الحبيب ـ اسم جامعٌ لكلِّ ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة ، وهي التعبد لله تعالى بفعل أوامره ، واجتناب نواهيه وزاجره ، حباً وخوفاً ورجاءً وذلَّـةً .


فلا يُعبدُ إلاَّ الله تعالى، ولا يُعبد سبحانه إلاَّ كما شرع عن طريق رسول الله صل الله عليه وسلم .


ومن مقتضى هذه العبودية التي هي أشرف مقامات العبد ألاَّ يُصرف شيئاً من العبادات الشرعية لغير الله تعالى ، فتسوية غير الله تعالى مع الله عزَّ وجلَّ فيما هو من خصائص الله تعالى شركٌ لا يغفره الله تعالى ، ولا ينفع معه طاعةٌ أو عمل ٌ . قال تعالى : { إنَّ الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيماً }[النساء :48]


ومن مظاهر الشرك التي ذاعت وشاعت في ديار المسلمين هذه القبور والأضرحة والمزارات التي تُقصدُ وتعبد وتدعى وترجى وتخشى من دون الله تعالى ، ويُتمسَّحُ بأركانها ، وتُقبلُ جدرانها ، ويعكف الناس عليها باكين داعين متضرعين ، فتراهم ـ ويا للأسف ـ حول القبر ركعاً سجداً ، يبتغون من الميت فضلاً ورضواناً ، ولمصائبهم عِوضاً وسلواناً ، وهم ـ ويا للحسرة ـ قد ملؤوا أكفَّهم خيبةً وخسراناً ، وذلَّةً وخذلاناً . قال تعالى :{ ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون * وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين }[الأحقاف : 5 ـ 6]


فإن تعجب ! فعجبٌ قولهم ، وغفلتهم عن ربهم وخالقهم ومولاهم الذي بيده مقاليد الأمور ، وتصريف الأحوال ، وتقدير ما كان ، وما سيكون ، وأمره بين (الكاف ) و (النون ) { إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون }[يس: 82]


وتعلَّقت قلوبهم بأمواتٍ مرتهنين بأعمالهم ، مجزيين بأفعالهم ، قد أفضوا إلى ما قدَّموا ، لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً ، ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً . قال تعالى :{ ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذاً من الضالمين * وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلاّ هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم }[يونس : 106 ـ 107]


فتأمل ـ زادنا الله وإيّاك بصيرة وهدى ـ كيف تُصرف العبادة التي لا يجوز صرفها إلاَّ لله تعالى لهذه القبور والأضرحة ، فترى صور الصلاة إليها ، والعكوف عليها ،والطواف بها ، وتقبيلها واستلامها ، وتعفير الخدود على ترابها ، وعبادة أصحابها ، والاستغاثة بهم ، وسؤالهم النصر والظفر ، والعافية في الجسد ، والبركة في الولد ، والأمن في البلد ، وقضاء الديون ، وتسلية المحزون ، وتفريج الكربات ، وإغاثة اللهفات ، وإغناء ذوي الفاقات والحاجات ، ومعافاة أولي العاهات والبليَّات ...


نسوا الله ، فنسيهم ، ودعوا غيره ، فتركهم ، وأوكلهم إلى أنفسهم ، فباؤا بخسرانٍ عظيم ، قال تعالى :{ .....قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هنَّ كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هنَّ ممسكات رحمته قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون }[الزمر : 38]


احفظ الله .. في شعائره .
ومن أعظمها وأجلِّها شعيرة الصلاة ، فإنها الفيصل بين الإسلام والكفر ، وأداؤها علامةُ الهداية ، وتركها علامة الضلال والغواية ، فهي الصلة بين العبد وربِّه ، فإذا تركت انقطعت الصلة ، ولا يبالي الله في أي وادٍ هلك تاركها .
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ، قال : سمعت رسول الله صل الله عليه وسلم يقول :” إن بين الرجل والشرك والكفر ترك الصلاة “[صحيح مسلم (1/85)(134)]
وعن بريدة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صل الله عليه وسلم :” العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ، فمن تركها فقد كفر “ [صحيح الترمذي (2/329) (2113) وصحيح النسائي (1/101)(449) وصحيح ابن ماجة (1/177)(884)]
وقد توعَّد الله تعالى من تهاون في أدائها فأنقص من خشوعها ، وضيَّع من أركانها وواجباتها ، وأخرجها عن وقتها ـ مع أدائه لها ـ بالويل ! ، وهو شديد العقاب وأليم العذاب . قال تعالى : { فويل للمصلين * الذين هم عن صلاتهم ساهون }[الماعون :4 ـ 5].
فما بالك بمن تركها وهجرها وأصبح لا يؤديها إلاَّ في الـجُـمع والمناسبات ؟!!
قال تعالى عن المجرمين : “ { ما سلككم في سقر * قالوا لم نك من المصلين }[المدثر :42 ـ 43]


وهي ـ أيها الحبيب ـ أوَّل ما يُسأل العبد عليه من عمله يوم القيامة ، فإن صَلُحت وقُبلت ، فقد أفلح وأنجح ، وكانت له نوراً وبرهاناً ونجاةً يوم القيامة ، ومن تهاون في أدائها وضيَّعها ، فلم يقم بها كما أمر الله تعالى فقد خاب وخسر ، وحشر مع هامان وفرعون وقارون وأميَّة بن خلف ، وهو في الآخرة من المقبوحين !
قال تعالى :{ حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين }[البقرة : 238]


احفظ الله .. في بصرك .
احفظ الله في جارحة النظر ، فلا تقلِّب البصر فيما حرَّم الله ، ولا تتبَّع به عورة عبد مسلم ، فإنه من تتبع عورة عبد مسلم تتبع الله عورته ، ومن تتبع الله عورته فضحه ولو في قعر داره !
ولا تنظر به إلى امرأة لا تحلُّ لك من أولئك النساء المتبرجات اللائى نزعن الحياء وكشفن الغطاء ، وعرَّين أجسادهنَّ كلَّها أو بعضها ، وأصبحن مبتذلات لكلِّ ناظر ، ومطمعاً لكلِّ فاجر ، فهنَّ كاسيات عاريات ، مائلات مميلات ، رؤوسهنَّ كأسنمة البُخت المائلة ، لا يدخلن الجنَّة ولا يجدن ريحها فلا تتبع النظرة النظرة ، فإنَّ لك الأولى وليست لك الثانية ، فالنظرة سهم مسموم من سهام إبليس ، قال تعالى :{ قل للمؤمنين يغضُّوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إنَّ الله خبير بما يصنعون }[النور : 30]


احفظ الله في : سمعك .
فلا تسمع به ما حرَّم الله تعالى ، ونزهه عن كلِّ ساقطٍ من قولٍ ، وقبيحٍ من حديث ، فإنَّه عاريَّة مستردَّة ، ونعمةٌ مستوفاة ، وأنت مسئولٌ عنه يوم لقاء الله . قال تعالى :{ إنَّ السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً }[الإسراء :36]
وأحذر ـ أخي ـ كلَّ الحذر أن تُصغي بسمعك للمعازف والغناء ، فإنها تصدُّ عن ذكر الله تعالى ، وتزين المحرمات ، وتُغري بارتكاب الموبقات ، وتُفقد الإنسان مروءته وعدالته ورجولته ، وتطمس على قلبه وتُنبتُ النفاق فيه ، وتجعل القلب ساهياً لاهياً غافلاً عن ربِّه ومولاه ، وتزيد في الشهوة وتوقع في الشقوة ، فهي رقية الزنا ، ومهاد الفاحشة ، تقود إلى البليَّة ، وتوقع في الرزيَّة ، فيسقط العبد بها فيما يغضب الله ، وتوقعه فيما لا تحمد عقباه!!


وصدق الله حين قال : { ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزواً أولئك لهم عذاب مهين * وإذا تتلى عليه آياتنا ولىَّ مستكبراً كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقراً فبشره بعذاب أليم }[لقمان :6 ـ 7]
ولهو الحديث كما عرَّفه ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم ؛ بأنَّه الغناء . وصدق رسول الله صل الله عليه وسلم :” ليكوننَّ من أمتي أقوام يستحلُّون الحر والحرير والخمر والمعازف “[صحيح البخاري ( 6/601)(5590) عن أبي عامر الأشعري]


احفظ الله في : فرجك .
فلا تقضي شهوتك ووطرك في فرجٍ لا يحلُّ لك . قال تعالى :{ ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا }[الإسراء :32]
وأحذر الفواحش ودواعيها ، وكلّ ما يؤدي إليها من منظورٍ ومقروءٍ ومسموعٍ ، وكن من الحافظين لفروجهم . قال تعالى :{ والذين هم لفروجهم حافظون * إلاَّ على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين * فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون }[المؤمنون :5 ـ 7]
وقال صل الله عليه وسلم :" لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن " [صحيح البخاري ( 7/334)(6809) عن ابن عباس].


قال تعالى :{ والذين لا يدعون مع الله إله آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلاَّ بالحق ولا يزنون * ومن يفعل ذلك يلق أثاماً يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا * إلاّ من تاب ..}[ الفرقان :68 ـ 69]


ولقد بين رسول الله صل الله عليه وسلم صورة عذاب الزناة وكيف يعاقبهم الله تعالى بشرِّ أعمالهم ،وقبيح أفعالهم ، والجزاء من جنس العمل ، وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم :” رأيت الليلة رجلين أتياني ، فأخذا بيدي فأخرجاني إلى أرض مقدسة .. “ فذكر الحديث إلى أن قال :” فانطلقنا إلى ثُقبٍ مثل التنُّور أعلاه ضيِّقٌ وأسفلهُ واسعٌ ، يتوقَّدُ تحته ناراً ، فإذا اقتربَ ارتفعوا حتى كادَ أن يخرُجوا ، فإذا خَمدَت رجعوا فيها ، وفيها رجالٌ ونساءٌ عُراةٌ ... “ ثمَّ قال في آخر الحديث :” ... والذي رأيتَهُ في الثَّقبِ فهمُ الزُّناةُ “[صحيح البخاري 2/423)(1386) عن سمرة بن جندب]


احفظ الله في : عقلك .
فلا تُغطِّه بالمسكرات ولا تحجبه بالمخدرات ولا تتلفه بالخمور .
قال تعالى :{ يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون * إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون }[المائدة : 91]
لقد كرَّم الله تعالى بني آدم بهذا العقل ، وميَّزه به عن سائر المخلوقات ، فكيف يسعى في جنونٍ من عقل ؟!
قال رسول الله صل الله عليه وسلم :” لا تشربِ الخمر فإنَّها مفتاح كلِّ شرٍّ “[صحيح ابن ماجة (2/241)(2717) عن أبي الدرداء ].
وقال صلى الله عليه وسلم :” من شرِب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة إلاَّ أن يتوب “[صحيح البخاري (6/598)(5575) وصحيح مسلم (3/1263)(2003) واللفظ له ، عن ابن عمر بن الخطاب].
وقال صل الله عليه وسلم :” لا يدخل الجنَّة مدمن خمر “ [صحيح النسائي (3/1148) (5241) وصحيح ابن ماجة (2/241)(2721) عن أبي الدرداء]


وقال صل الله عليه وسلم :” من شرب الخمر وسكر لم تقبل له صلاة أربعين صباحاً ، وإن مات دخل النار ، فإن تابَ تابَ الله عليه ، وإن عاد فشرب وسكر لم تقبل له صلاة أربعين صباحاً ، فإن مات دخل النار ، فإن تاب تاب الله عليه ، وإن عاد فشرب فسكر لم تقبل له صلاة أربعين صباحاً ، فإن مات دخل النار ، فإن تاب تاب الله عليه ، وإن عاد كان حقاً على الله أن يسقيه من ردغة الخبال يوم القيامة “. قالوا : يا رسول الله ! وما ردغة الخبال ؟ قال :” عصارة أهل النار “ [صحيح الترمذي (2/169)(1517) وصحيح أبي داود (2/701)03127) وصحيح النسائي (3/1148)(5239) وصحيح ابن ماجة (2/242)(2722) عن ابن عمرو بن العاص]


احفظ الله في : قدمك .
فلا تمشي إلى حرام ، ولا تخطو بها إلى خطيئة . وإيَّاك ! إيَّاك أن تحملك هذه الأقدام إلى كاهن أو ساحر أو مشعوذ أو دجال ممن يدعون علم الغيب ، فيستحوذ على مالك بالخداع ، ويهدم دينك بالكذب ، ويسلب كرامتك وعقلك بالمراوغة !
فإنَّهم يتكلمون رجماً بالغيب أو يستحضرون الجنَّ ليستعينوا بهم على ما يريدون ، فلا يجوز الذهاب إليهم ولا سؤالهم ، ولا تصديقهم ، ولا السكوت عليهم . قال رسول الله صل الله عليه وسلم :” من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تُقبل له صلاة أربعين يوماً “
[صحيح مسلم (4/1397) (2230) عن بعض أزواج النبي صل الله عليه وسلم]
وقال صل الله عليه وسلم :” من أتى كاهناً فصدَّقه بما يقول فقد كفر بما أُنزل على محمد"[صحيح أبي داود (2/738)(3304)]


فيا أيها الأخ المبتلى : إذا ألـمَّ بك الألم ، أو مسَّك السَّقم ، أو أمضَّـك المرض ، أو تغشَّاك السوء ، فالجأ إلى الذي بيده الشفاء ، وبأمره دفع البلاء ؛ وهو الله ! ولا أحد سواه . قال تعالى :{ أمَّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإلهٌ مع الله . قليلاً ما تذكرون }[النحل : 62] .
مع الأخذ بالأسباب ، والاعتماد أولاً وآخراً ، ظاهراً وباطناً على مسبِّب الأسباب ورب الأرباب ، فما مِن داءٍ إلاَّ وله دواء ، علمه من عمه ، وجهله من جهله ، وقل مقالة العبد الصالح والرسول الناصح :{ وإذا مرضت فهو يشفين } [الشعراء : 80]


احفظ الله في : بطنك .
فلا تأكل أموال النَّاس بالباطل ، ولا تُغذيه إلاَّ بطريق مباح وسبيل حلال . قال رسول الله صل الله عليه وسلم :” كلُّ جسدٍ نبت من السُّحت فالنَّار أولى به “[أخرجه الطبراني في الكبير وأحمد في المسند والحاكم في المستدرك ، انظر : صحيح الجامع (2/831)(4519) عن جابر بسند : صحيح]. والسحت هو الحرام . فالمؤمن ـ مثلك إن شاء الله ـ طيبٌ ، ولا يأكل إلاَّ طيباً . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :” إنَّ الله طيبٌ لا يقبلُ إلاَّ طيباً ، وإنَّ الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين ،
فقال :{ يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً إني بما تعملون عليم }[المؤمنون : 51] ، وقال : { يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم ..}[ البقرة : 172] ، ثمَّ ذكر الرجل يطيل السَّفر أشعث أغبر ، يمد يده إلى السماء : يا رب ! يا رب ! ومطعمه من حرام ، ومشربه من حرام ، وملبسه من حرام ، وغُذي بالحرام ، فأنّى يُستجاب له ؟! “[صحيح مسلم (2/582)(1015) عن أبي هريرة]


فلا تأكل مال اليتيم . قال تعالى :{ إنَّ الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً }[النساء : 10]


وتأخذ مالك عن طريق رشوة ، فلقد لعن رسول الله صل الله عليه وسلم الراشي المرتشي[صحيح الترمذي (2/36)(1074) وصحيح أبي داود (3055) وصحيح ابن ماجة ( 2/34) (1871) عن عبد الله بن عمرو] . والرائش بينهما .


ولا تكسب مالك من ربا .
قال رسول الله صل الله عليه وسلم :” الربا سبعُونَ حُوباً .
أيسرها أن ينكح الرجل أُمَّه “[صحيح ابن ماجة (2/2712)(1844) عن أبي هريرة] والحوب هو الإثم ، والمراد أن أخفَّ تلك الدرجات أن يزني الرجل بأمِّه ـ عياذاً بالله ! ـ وما أحدٌ أكثر من ربا إلاَّ كان عاقبة أمره إلى قَلَّة ، وخاتمة حاله إلى خسارة . قال تعالى :{ يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم }[البقرة : 276]
فلا تكن محارباً لله تعالى فوق أرضه ، وتحت سمائه ، وفي ملكه ، وأنت عبدٌ من عبيده ، وتأكل من رزقه ، وتتقلَّب في نعمه . قال تعالى :{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين * فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون }[البقرة :278 ـ 279]


فأحذر ـ أخي الكريم ـ من سُبل الحرام ، وتـجـنَّب الشبهات ، وأطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ، مبارك الخطوة ، طيِّب الجسد ، قد أعددت الجواب للسؤال العظيم يوم تقف وحيداً فريداً بين يدي الرَّب العظيم ، فتُسأل عن هذا المال :
هل أخذته من طريق حلال ؟ وأجملت في الطلب ؟
وهل حفظته حين أتاك في مكان مباح ؟
وهل أنفقته ـ يوم أنفقته ـ في طريق جائز ؟
قال رسول الله صل الله عليه وسلم :" لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة مِن عندِ ربِّه حتى يُسأل عن خمس : عن عُمره فيما أفناه ماله من أين اكتسبته؟ وفيما أنفقته ؟ [صحيح الترمذي (2/290)(1969) عن ابن مسعود]


احفظ الله في : لسانك .
فإنه صغير الـجِـرم عظيم الـجُـرم ، فقد أوكل الله بك ملائكة لا يفارقونك ، وشهوداً لا يُغادرونك ، يكتبون ما تقول ، ويستنسخون ما تفعل . قال تعالى :{ إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين والشمال قعيد * ما يلفظ من قول إلاَّ لديه رقيب عتيد } [ق : 17 ـ 18]
ولعلَّك تناسيتها ، وخلف ظهرك ألقيتها ، ولكنك سترى كلَّ ما قلت وفعلت أما ناظريك يوم القيامة . قال تعالى :{ ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون ياويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلاَّ أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضراً ولا يظلم ربك أحداً }[الكهف : 49]


فلا تتكلَّم بالغيبة والنميمة والسخرية والاستهزاء ، ولا تطعن في مسلم ، ولا تلعن مؤمن ، فالمؤمن ليس بالطعان ، ولا باللعان ، ولا بالفاحش البذيء ، والمسلم من سلِم المسلمون من لسانه ويده . قال رسول الله صل الله عليه وسلم :" من توكَّل لي ما بين رجليه وما بين لحييه ، توكَّلتُ لهُ بالجنَّة "[صحيح البخاري (7/334)(6807) عن سهل بن سعد الساعدي]
فتجنَّب سقطات الألسن ، وهفوات الحديث ، وكبوات الكلمات ، وهل يكب الناس في النَّار على وجوههم إلاَّ حصائد ألسنتهم ؟!


ومن أعظم زلاَّت اللسان أن تحلف بغير الله تعالى ، فإنه لا يجوز الحلف بغير الله تعالى ، بل إنَّه من باب الشرك الأصغر ، وربما ارتقى إلى رتبة الشرك الأكبر عندما يعتقد الحالف في المحلوف أن له قدراً أو له منزلةً تساوي منزلة الله تعالى وقدره !


فلا تحلف بنبي أو وليٍّ ، ولا تقسم بحياة فلان أو برأسه ، ولا بالشرف ، ولا بالكعبة ، ولا بالذمَّة ، ولا بالأمانة ، ولا بالطلاق ، ولا بالحرام .
قال رسول الله صل الله عليه وسلم :" من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك "[صحيح الترمذي (2/99)(1241) وصحيح أبي داود (2/627)(2787) عن ابن عمر]
وقال صل الله عليه وسلم :" إنَّ الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم ، فمن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمُت "[صحيح البخاري (7/283)(6646) وصحيح مسلم (3/1025)(1646) عن عمر بن الخطاب]


احفظ الله في : نسائك .
احفظ الله في زوجتك وبناتك وأخواتك وجميع نسائك ، فأنت راعٍ ومسئول عن رعيتك ، فألزمهنَّ بالحجاب الذي يستر كامل أجسادهنَّ ، وجنبهنَّ التبرج والسفور ، ومواطن الفتن ، وأماكن الرِّيب ، فالمرأة درَّةٌ مكنونةٌ ، ولؤلؤةٌ مصونةٌ ، فلا تمتد إليها يد عابث ، ولا تلامسها كفُّ ملامس ، ولا تنهشها عين مريض . قال تعالى :{ يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابـيـبهنَّ ذلك أدنى أن يُعرفن فلا يؤذين وكان الله غفوراً رحيماً }[الأحزاب :59]
فالمرأة لابُدَّ أن تقرَّ في مملكتها ، متربعةً على عرشها داخل بيتها ، تؤدي حقوق ربها ، وتقوم بواجبات زوجها ، وترعى صغارها .
هذا شرفها الغالي ! وعزُّها السَّامي !
ولا تكون ولاَّجة خرَّاجة ، مخالطة للأجانب ، مزاحمة للرجال ، فتقع فريسة لذئاب البشر الذين ينهشون أغلى ما فيها ، ثمَّ يُلقونها تحت أقدامهم ، رخيصة مبتذلة ، وما ذلك إلاَّ لأنها خالفت أمر ربها ، وعصت رسولها ، ولم تحافظ على نفسِها !
قال تعالى :{ وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله ...}[ الأحزاب : 33]
وفي ذلك ـ أيها الكريم ـ سدٌّ لباب الفتنة ، وحسمٌ لمادة الرذيلة ، وصيانة للمجتمع ، ومزيد ترابط بين الأسر ، وطهرة للقلوب ، ومنع للذنوب ، ودفع للموبقات . قال تعالى :{ ...وإذا سألتموهنَّ متاعاً فسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن ..}[ الأحزاب : 53]
فهل نستجيب ـ أيها الحبيب ـ لنداء الله ورسوله ، ونحجِّب نساءنا ، ونحفظهنَّ من مواقع الزلل والخلل ، ونحجُبهنَّ عن مخالب العابثين ، وأنياب المعتدين ؟!


أم نسير على خطى الكفار والفجار الذين لا يرجون الله ولا الدار الآخرة ، ونعرِّي أجساد نسائنا ، ونحور بناتنا ، ونظهر أرجل وشعور أخواتنا ؟!


فنهدر ـ بأيدينا ـ كرامتنا ، ونقتل ـ بأنفسنا ـ مروءتنا ، ونلغي حيائنا وعفتنا؟!
ذلك ما لا نرجوه وما لا نأمله !!
قال تعالى :{ ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما } [الأحزاب : 71]
وقال تعالى :{ ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً }[ الأحزاب 36]


احفظ الله في : أولادك .
احفظ الله في أولادك ، وعلمهم آداب الإسلام ، وشمائل رسول الأنام صلى الله عليه وسلم ، فالله سائلٌ كلَّ راعٍ عمَّا استرعاه ، أحفظ ذلك أم ضيَّع ؟!
وجنبهم بؤر الفساد ، ومسببات الانحراف ، وأحطهم بسياج الرفقة الصالحة ، وحفظهم القرآن ، وعلمهم السنَّة ، وفقههم في الدين ، فهم ليسوا بحاجة لطعامٍ وشرابٍ ، كحاجتهم وشديد رغبتهم في الدين ، فإنَّهم يصبرون على الجوع والعطش ، لكنَّهم لا يصبرون على النَّار !
قال تعالى :{ يا أيها الذين آمنوا قو أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون }[ التحريم 6]


الخاتمة
أيها الحبيب .. المحفوظ بحفظ الله ...
علِّق القلبَ بالرَّب ، فلا دافع للسوء غيره ، ولا مانع للبلاء سواه ..
وهو كافيك مما يؤذيك ، ولا يكفيك شيءٌ عن الله ..
قال تعالى : { أليس الله بكافٍ عبده ؟! ويخوفونك بالذين من دونه ..}[ الزمر : 36]
واملأ قلبك برجاه ، واقطع رجاك ممن عداه ، فالأمر أمره ، والخلق خلقه ، والعبد عبده ، والقدر قدره ، ولا مانع لما أعطى ، ولا معطي لما منع ، ولا قابض لما بسط ، ولا باسط لما قبض ، ولا إله إلاَّ الله ، فلا معبود بحقٍّ سوى الله !
واعلم أن مردَّك إليه ، ومآلك الوقوف بين يديه ، فيسألك عن كلِّ كبير وصغير ، وعظيم وحقير . قال تعالى : { فوربك لنسألنهم أجمعين * عما كانوا يعملون }[ الزمر : 36].


فأعِدَّ للسؤال جواباً ، وللجواب صواباً ، فإنَّ الله بكلِّ شيءٍ عليم ، وهو على كلِّ شيءٍ قدير .